صوت الصمت هو صوت الصدق
تراوحت نسبة المشاركة بأصوات انتخابية (صحيحة أو باطلة) بين نحو تسعة بالمائة (في دائرة عابدين بالمرحلة الأولى)، ونحو خمسة وعشرين بالمائة في المتوسط؛ بالمرحلتين التاليتين. ومرة أخرى فسر المحللون الخبراء الظاهرة تفسيرا خاطئا بعيدا عن الواقع؛ ووصِم المُحْجمون عن المشاركة بالسلبية، بينما يمثل موقفهم في الواقع منتهي الإيجابية. فلعل المخططين والمشرعين والمنظرين يعون دروس رسالة ظاهرةِ الإحجام، ويستوعبونها جيدا.
والذي يظهر لنا واضحا أن المحجمين قرءوا الواقع جيدا، بحكمة ومنهج وموضوعية؛ فاحترموا أنفسهم ولم ينجرفوا إلى منزلق المشاركة "ككومبارس" في دراما سياسية يعلمون تماما أنها سوف تكون هزلية كالعادة .. بداية ووسطا ونهاية. ولم يحتاجوا للتعامل مع الواقع أكثر من الاعتماد على الفطرة التي تؤكد دائما، فلا تخطئ أبدا، بأن "الحدأة لا تلقي بالكتاكيت". وقد صدق حدسهم، كما كان لا بد وأن يصدق، ولم يصمد الطبع الغالب أمام مواجع وقيود وضغوط التطبع العارض؛ "فعادت ريما لعادتها القديمة"، وعاد عنتر هو نفسه المعلم عنتر
!ودعونا نقرأ في سيناريو انتخابات 2005، وأحداث العنف الدالة فيها. ويخبرنا الخبراء العارفون المحللون، بكل فخر، بأنها هذه المرة أقل كثيرا من سابقاتها. فماذا يعني هذا على أرض الواقع؟! ما هو الجديد في عناصر اللعبة الذي يمكن أن يكون مصدر هذا التطور وأدى إلى تخفيف ملحوظ في حدة ونطاق العنف هذه المرة : رغم غيبة الإجراءات الأمنية المعتادة؛ من تدخل قوات الأمن في سير العملية الانتخابية وحملة الاعتقالات الاحتياطية الوقائية الكثيفة التي كانت تشنها على من تشك في نوايا مشاركتهم بالتصويت لصالح من لا تقرر من قبل فوزهم، ورغم التزوير الذي نُفي دائما ثم أقر به أخيرا؟! ونبحث فلا نجد سوى فتح باب الترشيح هذه المرة أمام فئة من المستقلين الذين كانوا يُمنعون من الترشيح في الانتخابات السابقة. ومع ذلك فإن نجوم إعلام الدولة، ومعهم جهاز الأمن المدان رسميا الآن بمخالفاته الفاضحة في الانتخابات السابقة، يريدون أن يقنعوا الأغلبية الصامتة أن هؤلاء الوافدين الجدد من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا هم الجناة المعتدون في أحداث شغب انتخابات العام
ويُستنتج من هذا، بداهة، أن وجود الوافدين الجدد من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قد أضفى على العملية الانتخابية هذه المرة شيئا قليلا هينا من الاحترام يتناسب مع قلة عدد مرشحيهم؛ ولكن فقط إلى حين. فجوّ الاحترام الصحي المبشر؛ قد خنق الذين اعتادوا البلطجة وأدمنوها وأجادوها وصقلوها وعجنوها وخبزوها عبر الممارسات الديمقراطية العميقة التي شهدتها الانتخابات السابقة، فأفرزت للأمة نواب القروض ونواب الكيف ورجال الأعمال الذين أشعلوا بورصة شراء الأصوات. وهم، ورفاقهم الداعمون لهم حزبيا، يباهى بأنهم سيشكلون الغالبية المطلقة في المجلس الجديد (موديل 2005)!! ولن يكون غريبا إذا اجتمع نواب القروض ونواب الكيف ورجال الأعمال الذين أشعلوا بورصة شراء الأصوات، على قلب رجل واحد، ثم يقفون صارخين في وجه النواب الوافدين الجدد من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا؛ مطالبين بقوة، أن : "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون
وهكذا يُثبت صوت الغالبية الصامتة بأنه حقا الأعلى والأقوى؛ إذ نطق بالحق صادقا معلنا أن ما بني على باطل سوف يبقى باطلا، وسوف يموت الزمَّار وتظل أصابعه تعبث بالأقدار
حرر فى: 5/12/2005
بقلم: د. ف ع أ
<< Home