Saturday, January 14, 2006

الخطر الحقيقي لدعوة الإسلام

في عمل روائي صدر عام 2001 بعنوان : "عيون ساهرة وعيون ساحرة"، نلتقي بشخصية "شطارة" ملك سوق المحبة بالحي الإلكتروني، وقد أذهل أداؤه (رغم بساطة تعليمه وتواضع نشأته) راصدا مثقفا متعمقا مهموما. فهذا الإنسان العامي استطاع خلال فترة ثلاثة أشهر، غابها المثقف عن بلدته، أن يستثمر أحدث تقنيات عصر "المعلوماتية"، في النهوض الكامل بحي اشتهر بالفوضى العارمة والتخلف الكامل. وسعى المثقف (بفضوله الفكري) إلى "شطارة"، متقصيا ومستفسرا عن سر ذلك التحول المبهر المعجز. وأجابه شطارة بسؤال مباغت آخر أفضل وأوقع، فيه : "تعلم أن خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وأرضاه قد رفع دولة ممتدة الأقطار شرقا وغربا؛ من قاع الحضيض والفاقة، إلى قمة الرقي والرخاء في غضون ما لا يزيد على ثلاثين شهرا .. في عصر الجمال والبغال : فكيف تستكثر على عصبة اقتصادية مترابطة من أهل المودة والعزم والإخلاص في الانتماء، تطوير حي في بلدة من ولاية في سلطنة تعيش عصر الصواريخ وحرث المريخ واستنساخ البطيخ؟!".

فأسقط في يد الراصد المثقف ولم يحر جوابا، خطأ كان أم صوابا. ولكنه في ذات الوقت تساءل، بداية بينه وبين نفسه، ثم تجرأ وطرح السؤال على "شطارة" : كيف يكون يا ترى حال السلطنة لو تولى أمرها أحد العمرين؟! وبالتحديد : ماذا كان الفاروق عمر بن الخطاب يفعل بمن فيها؟! فجاء جواب شطارة حاضرا، وكأنه قد ذاكره مسبقا وتوقعه وجوَّده وتأهب له، فقال فيما قال : "كان يبدأ بالسلطان وجميع معاونيه ووزرائه، فيقطع أيديهم مليون مرة ومرة عن كل عاطل عن العمل دفعته الفاقة والحاجة للسرقة. وكان يرجم وزير إعلام السلطنة مليون مرة ومرة عن كل واقعة اغتصاب أو زنى أو سكر أو ميسر أغرى بها وحرض عليها بما ينشره من الفسق والفحش الفاضح والعري والعهر .. المستتر منه والصريح؛ ببثه التليفزيوني المتغلغل إلى أطراف البلاد، واتخاذه آيات الله هزوا بحشر القرآن والحديث وسط النجس والغث والخبيث. فبفضل وفعل هذا الوزير والزمرة التي نشأ في أحضانها وترعرع في مواخيرها؛ سقطت أرض الميعاد في براثن الأوغاد، وباتت تخجل من اسمها الشريف القديم الذي أسمتها به كتب السماء .. حتى أنها تخفت تحت اسم مستعار أدنى قيمة ومقاما"

ومضى "شطارة" يعدد إصلاحات الفاروق الأولى، فور عودته بعبق العدل؛ وسط ذهول الراصد المثقف، وانتشائه في ذات الوقت. فقال شطارة : "كان الفاروق يأتي بعدها إلى كل قاض للفحش في السلطنة؛ فيجلده ويرجمه عن كل امرأة كسِر كبرياؤها وحُطمت روحها وأسلِم جسدها لقواد يجرها إلى ماخور المذلة تحت مسمى <بيت الطاعة> تعاشِر وتضاجع مرغمة مكرهة مجبرة، غير مجبورة أو مجارة، وحشا بذيئا قبيحا كاسرا. وكان يأتي إلى كل أب أكرَه ابنته على البغاء واتخذ سنة الله ونبيه الكريم هزوا وحرر عقدا للزواج باطلا زائفا يبيعها به في سوق النخاسة والدعارة المقنَّعة والمبرقعة المستترة غير المستورة؛ فيفعل به مثل ما فعل بالقاضي القواد. وكان يأتي فيجلد، أو ربما يقطع يد أو رقبة، كل ذكر من جنس البشر (لا يستحق صفة رجل؛ لأن الرجولة سمو روح وشموخ خصال ومروءة قلب ونبل طبع ولين جانب وحسن أدب وشجاعة موقف وكرم مسلك) أهان بالضرب أنثاه مدعيا عن جهل وانعدام قيم (وكذبا وفجرا) .. أن ذلك شرع الله. وقد خسئ في دنياه وأخراه؛ فما كان للخالق الذي كرم بني آدم أن يقضي بإذلال مخلوقة أعزها بالتأهل للأمومة، لكي يجعل الجنة تحت أقدامها. وقد قضى سبحانه أن تعاشر بمعروف أو تسرَّح بإحسان .. سراحا جميلا. ولو أنصف الذكور من جنس البشر واختشوا واحتشموا وعقلوا، لجعلوا خدودهم جنانا لأقدام إناثهن؛ ولذا استحقت أصداغ الفجرة من بني الإنس أن تكون مداسا لنعال أضعف النساء وأدناهن درجة". وأطلق "شطارة" من مكنون ومخزون صدره زفرة طويلة موجعة حارة مريرة، مرددا : "وا حسرتاه عليك يا وطني!! وا حسرتاه عليك يا وطنى
قال الراصد المثقف : " هكذا كتب على الأمم دائما؛ أن تدفع ثمنا باهظا لحماقات وطموحات وأنانيات ولاتها وسادتها وكبرائها .. والمتكسبين من ورائهم، إلى يوم الدين"

حرر فى 3/12/2005
بقلم: د. ف ع أ