شعار "الإسلام هو الحل" سياسي انتخابي بحت
اتسمت الحملة الإعلامية التي شُنت على شعار "الإسلام هو الحل" بالإفراط في الانفعال والإغراق في السطحية. والأخيرة هي النتيجة الحتمية للأولى، فتـَطال حتى أعظم المفكرين؛ لأنه : "إذا دخل الانفعال من الباب قفز المنطق من النافذة". ولهذا خرج علينا من نوافذ تليفزيونية كتـَّاب كبار بأحكام متسرعة تصف ما يرفعه المرشحون المستقلون من المتبنين لفكر جماعة الإخوان المسلمين بأنه شعار ديني. ويرون لذلك أن خطر هذا الشعار يتمثل في أن من لا يقبل به، فقد كفر. ومن نفل القول التأكيد على أن جماعة الإخوان ليس في دعوتها تكفير لمسلم، لعلمهم التام أن في هذا تجاوزا لحدود الله "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه".
وعليه، فإنه بقليل من التروي يتبين أن شعار "الإسلام هو الحل" شعار سياسي انتخابي بحت وليس أبدا (ولا يمكن أن يكون مطلقا) شعارا دينيا. فالقضية ببساطة أن الدين، أي دين سماوي، يخلو تماما من الشعارات ولا يعتمد عليها ولا يعتد بها؛ فالأديان تقدم لأتباعها قيما وتعاليم ومبادئ وقواعد وضوابط. وهكذا، فإن الخلاف حول الشعار هو خلاف سياسي تماما؛ وبالتالي هو قابل للجدل؛ بينما لا مكان في الثوابت الإيمانية (العقائد)، ولا حاجة أبدا، للجدل. والتعامل معها ليس فيه سوى احتمالين : القبول أو الرفض. والقرآن الكريم حسم هذا الأمر نهائيا (منذ نحو 15 قرنا)، مثلا في : "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، و"لكم دينكم ولي دين". وهذه أوليات بديهية بسيطة يعرفها من له أدنى دراية بالدين الحنيف.
وهكذا فإن الشعار لا يحتمل، ولا يمكن أن يكون، أكثر من وعد ملزم لأصحابه بأن يؤدوا واجبات مهام تكليفاتهم (التي منها السياسية والإدارية والتنفيذية وغيرها) في إطار من الضوابط والقيم والمعايير والأخلاقيات والمناهج التي فرضها الإسلام على من قبل به دينا. وحدود السياسة هي تحديد (أو توزيع) المهام، لكنها لا تحكم الضمائر ولا تتحكم فيها؛ أما العقيدة فلا تتحكم فقط في الضمائر وإنما تحييها وتوقظها (إذا ماتت أو غفت) وتعيدها (إذا غابت أو ضلت)، وتنقيها (إذا كدرت) وتطهرها (إذا دنست) وتسمو بها فوق كل الصغائر
والإخوان المسلمون لا يختلفون عمن عداهم من المسلمين إلا في درجة الفهم والتفتح والتحرر والإخلاص وجودة التطبيق وجديته، والتواصل
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. ولو رجعنا مثلا إلى ميثاقهم، لوجدنا أنه لا يمكن أن يرفضه مسلم واحد (مهما كان). فهم يقرون في ميثاقهم بأن "الله غايتنا"، فأي مسلم يستنكف أن يكون الله غايته؟! وهم يقرون في ميثاقهم بأن "الرسول زعيمنا"، فأي مسلم يخجل من زعامة الرسول ولا يتمنى أن يسير على نهجه وينعم بصحبته؟! ويقرون في ميثاقهم بأن "القرآن دستورنا"، فأي مسلم لا يشرفه أن يسير في الحياة بمنهج القرآن ويكون خلقه القرآن؟! ويقرون كذلك في ميثاقهم بأن "الجهاد سبيلنا"، فأي مسلم يسعده أن يكون الكسل والتراخي سبيله؛ فيحيا حياة خاملة لا يسهم بشيء ولا يأت بخير؟! وأخيرا يقرون في ميثاقهم بأن "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا". وكمسلمين متفتحين مستنيرين يوقنون بأن جهاد اليوم هو الجهاد الذي أعلنه الرسول الكريم يوم اكتمال الفتح الأكبر؛ جهاد من صبر وغفر، فمن من المسلمين لا يتمنى أن يصبح من أولي العزم ويلقى وجه ربه آمنا مطمئنا صابرا على الأذى مسلـِّما أمره لله محتسبا عنده كل خسارات دنياه؟!
ونزيد في مفهوم الجهاد اليوم، فنقول بأن الإسلام وصل إلى أبعد أركان وأطراف الدنيا ولا يمكن لأحد كائنا من كان أن يقف في طريق إبلاغ رسالته لأي فرد على سطح الأرض يبغي الوقوف على حقيقتها. وبهذا لم يعد الجهاد الأصغر (أي القتالي)، ومنذ قرون طويلة (فما بالنا في هذا القرن)، واردا مطلقا فيما كلف به مسلم العصر. ويمنع المسلم من المواجهة القتالية والدخول في الحروب، أن وسائل وأدوات وأخلاقيات حروب العصر تخلو تماما من الشرف ومن القيم؛ فلا يقبل بها الإسلام مطلقا. ذلك أن الدين الحنيف الذي منح المسلم رخصة وحق الرد على العدوان بمثله (مع اختيار : "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين")؛ يمنع مثل هذا الرد تماما إذا انطوى مثلا على قتل بريء أو المساس بالمؤسسات المدنية أو الموارد الطبيعية. فأي حرب اليوم تخلو من ضحايا أبرياء تستباح بيوتهم وأموالهم ومستشفياتهم ودور عبادتهم، وقبل كل ذلك وبعده .. أرواحهم؟! باختصار شديد : انتهى القتال تماما من قائمة الرخص والحقوق المباحة في الإسلام لمسلمي العصر. والحمد لله أن بدائل الإسلام التي تحفظ للمسلم قيمته وكرامته متوفرة ووفيرة ولا يحتاج التمكن من أدواتها إلا جهدا هينا وتكلفة أقل كثيرا، في الأموال والأرواح، مقارنة بما تبتلعه أدنى الحروب : أي أن لدى الإسلام حلولا سياسية منهجية استراتيجية آمنة أكيدة عاقلة حكيمة؛ منقذة لأرواح وموارد البشر، من كل جانب.
ويبقى بعد ذلك رمز السيفين المتقاطعين والمصحف. وهذا لا تزال له دلالته العصرية التي تختلف تماما عن كل ما ذهبت إليه ظنون ووساوس الخبراء المحللين. وقد نسوا، مثلا أن علم المملكة العربية السعودية موشى بسيف طويل تعلوه عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"؛ ولم يقل أحد في الدنيا بأنه علم يمجد العنف ويدعو إلى العدوان. والسيف (أو السيفان) رمز للاستقامة والفصل الحاد الدقيق بين الحق والباطل؛ كما يحدده الإسلام (بعبارة الشهادة فوق العلم)، وفي كتاب الله (ممثلا بالمصحف). ويعني تقاطع السيفين الاجتماع على الحق والهدى. وتعيدنا كآبة الرؤية الإعلامية الطاغية إلى مَثل الكوب؛ نصف الفارغ، أو نصف الممتلئ. فيا ليت المحاورين المهاجمين يفكرون قليلا ويتدبرون قليلا حتى لا يصيبوا قوما بجهالة!!
بقلم: د. ف ع أ
<< Home