Saturday, January 07, 2006

المناحة الكبرى


عبر أسابيع مضت سبقت مباراة النادي الأهلي في بطولة العالم مع ناد عربي شقيق، ذكِر اسم الله كثيرا على ألسنة جميع المعنيين .. والكل يردد : إن شاء الله، وبإذن الله وتوفيقه "سنكسب". وبانتهاء المباراة بغير المنشود؛ سقط اسم الله سهوا في غمرة وغمار الانفعالات والأحزان والمناحات والمشانق التي نصبت والمذابح التي أقيمت، مثلما حدث منذ نحو عامين في مناحة 2010 الشهيرة. وهكذا لم نسمع أحدا من المحللين أو الخبراء أو النقاد أو الجمهور وبقية المعنيين (باستثناء اللاعبين الذين لم يُسمع لهم تعليق) ينطق بشيء من الحق، في إيجابية وموضوعية، مثل : الحمد لله أو قدر الله وما شاء فعل أو عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، أو حتى "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فالبقاء والمجد والعظمة لله وحده.

والهزيمة الحقيقية يا سادة هي هزيمة روح وإرادةٍ، وليست أبدا هزيمة ملعب. فهزيمة الملعب تنتهي رسميا "مع صفارة الحكم"، أما هزيمة الروح والإرادة فتنتهي حتما إلى حالة من الدمار لا تقوم للمهزوم فيها من بعدُ قائمة. وعلى عكس ما ينطق به ملايين الخبراء من النقاد والمحللين والجمهور، فإن التقييم الحقيقي المنصف العادل (باجتهاد أو تقصير) هو في الاستعداد الكامل المتكامل للقاء؛ وعلى أساسه يتقرر التشكيل لمباراة بعينها. أما الأداء، فإنه يعتمد اعتمادا تاما كاملا على التوفيق لعناصر اللعبة مجتمعة. والتوفيق هو من عند الله وحده، يختص به من يشاء بحكمته؛ فينعِم به على فريق منافس دون الآخر. وهذا واقع نقبله في كل أمور حياتنا، باستثناء المنافسات الرياضية .. وخاصة كرة القدم. فمثلا، ننصح أبناءنا التلاميذ والطلاب ببذل أقصى الجهد في الاستعداد للامتحان؛ ثم يتركوا "الباقي على الله"، بمعنى مشيئته التي تحدد درجة توفيق التلميذ في الإجابة .. ومقدار توفيق المصحح في التقييم العادل.

ونتائج المباريات، مثل نتائج الامتحانات، إنما هي باب من أبواب الرزق. والله وحده هو الرزاق العليم، سبحانه "يرزق من يشاء بغير حساب". ولقد قضت حكمته التي لا ترد، بأن يكون هناك من يصيبون رزقا كثيرا على جهد قليل (أو حتى بدون جهد)؛ تماما مثلما قضت حكمته أن يكون هناك من يصيبون رزقا قليلا (بل شحيحا، أو معدوما) على عمل بذلوا فيه أعظم الجهد. والموقف العملي الإيجابي في هذا ألا نعترض على حكم الله، فالاعتراض لن يفيد؛ ولكن التسليم بحكمه وقدَره فيه أكبر النفع، لأنه يقي من هزيمة الروح والإرادة.

ولأنني لست خبيرا كرويا مثل ملايين الخبراء والمحللين والنقاد الكرويين في مصر، فلقد ظهر لي واضحا جدا .. منذ البداية؛ أن مسألة "اللاعبين البرازيليين الثلاثة" كانت (في الأساس) مناورة نفسية لتشتيت فكر المخططين للفريق المصري؛ لعلم مخططي الفريق المنافس المسبق برد الفعل، والسيناريو الذي يعقبه بالضرورة. ولو فطن مخططو الفريق المصري للعبة (المناورة) لأحبطوها بأدنى جهد وبأعلى مكسب (معنوي مباشر) .. فقط بتجاهلها. بل كان بإمكانهم إرباك المخطط المنافس بالموافقة على طلبه؛ أو حتى تأييده لدى الفيفا. وهذا هو الدرس الحقيقي القيم المستفاد والمفيد .. من وراء خسارة المباراة. ونرى من خلاله أن التفوق كان لفكر السوق وحيله. والسوق خالٍ تماما من القيم والأخلاقيات، فهو "لا يرحم" ويتحرك بمبدأ "عندك قرش تساوي قرشا وعندك قيم لن تساوي شيئا"؛ واستراتيجية "إللي تغلبّه إلعبّه"، و"التحالف حتى مع الشيطان". وكان فعلا تحالفا مع الشيطان أفلح في سحق روح وإرادة جماهير النادي المصري المنافس، ونسف إنجازاته في نفوسهم نسفا فتركها قاعا صفصفا؛ وطمس رؤية وحكمة الخبراء والنقاد والمحللين الكرويين "فهدموا المعبد على من فيه"؛ كما صاغها كروي محتج غيور. والحل هو نسيان المعبد تماما وتذكر الخالق، والرضاء بحكمه.

وكل ذلك بينما يشاع أن "الرياضة أخلاق"، وهي ليست كذلك؛ إلا ما ندر. والذي ندر شاهدناه من روماريو نجم منتخب البرازيل عام 1994؛ إذ كان يقبل يديه (ويرسم علامة الصليب على صدره)، حمدا لله وشكرا، كلما أضاع هدفا. ولم يكن روماريو يغالي في الفرح، وكأنه تربى على : "لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين"!! فهل لو أن بين اللاعبين المصريين من له صدق وعمق إيمان روماريو، فسجد لله شكرا كلما أضاع هدفا؛ يقبل ذلك منه الجمهور، أو مدربه؟!
بقلم: د. ف ع أ