يقو ل صاحبى عن النقاب .. والعقاب
كنت متابعا مداوما للتليفزيون البريطاني لعشرة أعوام قضيتها بالمنطقة، ثم لربع قرن آخر؛ للإذاعة البريطانية العالمية التي اعتزلتها أن داهمتها عدوى الملل الأكبر الوبائية. ومنذ أشهر قلائل أدخِلت خدمة مجموعة من القنوات الفضاية إلى مسكننا (روتينيأ؛ مما جعل إمكانية التركيز في واحدة منها ضربا من المستحيل. وصدمني ما آل إليه مستوى أداء قناة تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية؛ وقد أصابها ما أصاب غيرها من الانجراف وراء تيار (بل طوفان) التكرار القاتل. وهكذا فقدت ريادتها وتميزها وجاذبيتها. وحدث، على كل حال، أن توقفت عندها مرتين لفترة متكاملة أطول؛ خلال كل الأشهر. وكانت المناسبة الأخيره يم السبت العاشر من هذا الشهرمارس 2007، مع ندوة الدوحه الشهريه، وقد دارت حول مشروع يمنع النقاب فى بريطانيا
وجاء الاعتراض الأكبر على فكرة "النقاب" من سيدة (لعل اسمها ريم مغربي)؛ مجادلة بأنه ينطوي على إعلان بأن المرأة هي بالضرورة هدف جنسي، وهو ما ترفضه تحت كل الظروف. ومعنى هذا الاعتراض أن المرأة التي لها كامل الحرية في ارتداء ما يكشف المستور (فيما يصل إلى حد العري أو ما هو أسوأ) تفعل ذلك لكي تنفي عن نفسها صفة "الهدف الجنسي" !! وإذا كان من الممكن جدا إسقاط مسألة كون "النقاب" في الإسلام فرضا أو سنة مستحبة أو ليس هذا أو ذاك، فإننا لن نستطيع أن نسقط حقيقة تباين طبائع البشر تباينا ظاهرا فائقا. فمثلما أن هناك امرأة تجد في عرض مفاتنها تأكيدا لأنوثتها وإعلانا عن الاعتزاز بها، فإن من الوارد جدا أن تعبر امرأة أخرى عن اعتزازها بأنوثتها باحتفاظها لمفاتنها لنفسها، وهي في نفس الوقت تثري علاقتها مع المجتمع بما تتحلى به من المواهب والقدرات الفكرية والذهنية والثقافية. وهنا لا يحق لأحد أن يطمع في أكثر من ذلك. وبهذا لا يمكن أن يكون "النقاب" حافزا على تقصير في حق المجتمع، والأرجح أنه على العكس تماما
ولقدربطت الندوة المذكورة بين قضية "النقاب" وقضية أخرى أعم وأخطر، هي تلك التي تتعلق بانتماء المسلمين إلى البلدان التي استقروا فيها بعيدا عن بلدان المنشأ. وهذه قضية لا تختلف كثيرا في طبيعتها وحدتها (وسوء تشخيصها) عما يثار هنا في مصر حول مسألة "المواطَنة". وهذه وتلك من القضايا العبثية؛ لأن المسلم الصالح هو بالضرورة وبالتبعية (أينما حل وكان) مواطن ملتزم صالح. فبلوغ الغايات السامية هو الضمان لتحقيق الأهداف المحببة، وليس تحقيق الأهداف
المحببة ضمانا أبدا لبلوغ الغايات السامية
بقلم: د. ف أ ع
<< Home