القانون: مقولب أم مقلوب
استضاف برنامج "البيت بيتك" على القناة الثانية للتليفزيون المصري ليلة السبت 11/3/2006 مستشارا وصف بأنه رئيس محكمة قضاء عالٍ. ولا يملك المرء إزاء ما سمعه منه إلا أن يشفق على الذين يقعون تحت يده؛ لأنهم لن يجدوا عنده عدلا أو إنصافا، فإقامة العدل تحتاج فهما وتفتحا واستنارة ولا تحتاج قوالب صماء ترص القانون رصا. وإذا كان القانون قد اكتسب على مستوى العالم صفة الحماقة والغباء ، فإن الشريعة هي قمة الذكاء والكياسة والحكمة والعدل والتفتح والتطور والرحمة. ومن أجل ذلك كانت مبادرة مفتي الديار بالدعوة إلى تشريع يُلزم باختبار الحمض النووي ، في إثبات الأبوة. والمستشار يفتي في الشريعة، وفي نفس الوقت يطالب ومعه كاتبة صحفية باحترام التخصص؛ ويعنيان بذلك أن لديه وحده فقط القول الفصل. وتحججه بأن الشريعة لا تقر بالأبوة إذا أنكر "الموطئ"، والذي يعتبره قانون المستشار زانيا فيدعه يفلت بجريمته : لأن الزنا في قانونه مباح رغم الادعاء بأنه ينبني على أحكام الشريعة الإسلامية؟! وعجبا أن المستشار لا يرى التناقض في موقفه وفهمه للأمور. ومن الواضح أن المستشار لا يعترف بالتوجيه القرآني بأنه "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ويقبل بأن يعاقَب طفلٌ بريءٌ على جريمة تعاقِب عليها الشريعة بالجلد (أو بالرجم)، ويبيحها القانون الذي يستمد أحكامه من نفس الشريعة؟
وأعجب من قول المستشار قول الكاتبة الصحفية الشهيرة التي تعَد في مصاف قادة الفكر؛ إذ تعترض على مبادرة المفتي متذرعة بأن تحليل الحمض النووي لم يكن معروفا في أيام الرسول الكريم؟!! وإذا كان الاختبار يا سادة هو وسيلة يُستدل بها على تجريم مجرم فعلي، فإن الأهم من ذلك هو أن يكون الوسيلة المؤكدة لتبرئة طفل لا يتطرق إلى براءته من أي جرم أدنى شك. وليعلم المستشار والكاتبة الصحفية أنه "ليس هناك أبناءٌ غير شرعيين، وإنما هناك فقط آباءٌ غير شرعيين"؛ بالزواج وبدونه، فكلاهما واحد : لا يستحق شرف الأبوة
وفي النهاية فإن السؤال الذي يستحق الاهتمام الأكبر، حلا للعقد، هو: هل جاء الأمر القرآني إلى الذين يحكمون بين الناس هو أن يحكموا بالقانون ، أم أن يحكموا "بالعدل"؛ فيُحكِّمون في ذلك العقل : أي يزودونه ويزينونه .. بالفهم والحكمة ؟
بقلم: د. ف ع أ
بقلم: د. ف ع أ
<< Home