Monday, February 13, 2006

عن الزواج

استضاف برنامج "البيت بيتك" على القناة الثانية مساء الخميس 9 الجاري نيافة الأنبا مكار يونان والسيدة كريمة كامل، في فقرة خاصة بالزواج الثاني للمسيحيين المصريين. ولم يكن يتصور المرء أن لدى المسيحيين المصريين مشاكل من هذا النوع؛ ناهينا عن هذا الحجم الذي يجعل منها مأساة تضاهي مأساة "الزواج العرفي" لدى المسلمين المصريين. ويختلف أصحاب المشكلة من المسيحيين المصريين في أنهم يواجهون مجموعة متينة من مواقف الاستحالة؛ فيها استحالة العيش مع شريك ممقوت، واستحالة نيل موافقة الكنيسة على بداية جديدة مع شريك بديل، واستحالة الانفلات من نطاق ضغوط ومغريات الانزلاق في الخطيئة، واستحالة قبول وقوف الدولة متفرجة حيال معضلة اجتماعية يمكن أن تفضي إلى كوارث مدمرة. والدولة بالطبع مسئولة مسئولية أولية كاملة عن توفير أسباب حماية الحقوق المدنية لكافة قطاعات الأمة، بغض النظر عن العقيدة؛ ولعل أولها حق تكوين أسرة تحظى بالمشروعية القانونية
وفي ضوء هذه العوامل المعقدة للغاية، لا يبقى لأصحاب المشكلة سوى منفذ واحد، وهو الزواج المدني؛ على غرار الحل الذي لجأ إليه ولي عهد بريطانيا (المطلق أصلا، قبل أن يترمل لاحقا) في زواجه العام الماضي من سيدة مطلقة، بسبب موقف الكنيسة الأنجليكية المشابه (أو المطابق) لموقف الكنيسة الأرثوذكسية في مصر. ومسئولية الدولة في هذا ثابتة، إذ شرعت القوانين التي جعلت الطلاق في متناول أصحاب المشكلة؛ ومن واجبها أن توفر الآلية القانونية لزواج بديل يحمي حقوق ومصالح كافة الأطراف، خاصة الأبناء الذين ينتظر أن يثمر عنهم ذلك الزواج. وتترك الدولة، في هذا، "ما لله .. لله"؛ إذ ليس من اختصاصها محاسبة الضمائر وما تخفي الصدور. ومن الواضح أن الكنيسة لم تتدخل لإيقاف أو منع الطلاق القانوني لأصحاب المشكلة، وقياسا على ذلك تصبح الاستحالة التي يمثلها موقف الكنيسة من الزواج "الديني الثاني" خارج حسابات واعتبارات الزواج القانوني "المدنى
ولعل الزواج المدني البديل المتاح يصبح أيضا عنصرا إيجابيا مثمرا قويا في مواجهة مشكلة "الزواج العرفي" عند المسلمين المصريين؛ ضمانا لتوفير حق أبناء ذلك الزواج في نسب قانوني رسمي معروف. وبما أن دوافع الزواج العرفي الأساسية تكمن في حرص أحد الطرفين (أو الاثنين معا) على بقائه سريا (غالبا إلى حين)، فإن الزواج المدني يمكن أن يرضي هذه الرغبة دون الإضرار بالحقوق القانونية للأطراف (و يأتي على رأسها الأبناء)؛ إذ يسجل أمام موثق قانوني (في إجراء شبيه بنظام الشهر العقاري مثلا)، ولن يحتاج ذلك حتى مجرد وجود شاهدين من الأصدقاء المقربين أو الزملاء أو المعارف. ومرة أخرى تلتزم الدولة في هذه الخدمة التي تبقى متاحة لكافة المواطنين الراشدين (دون تفرقة أو تمييز على أساس ديني)، بمبدأ ترك "ما لله .. لله"؛ وكفى به، سبحانه وتعالى، شهيد
بقلم : د. ف ع أ