السقوط المروع
في تراثنا الشعبي أن "من يحترم إنما يحترم نفسه"، وقياسا على ذلك يمكن القول بأن "من يُسفه إنما يُسفه نفسه". وإذا قبلنا بمقولة أن الصحافة هي مرآة الأمم، تكون صحافة الدول التي استمرأت التطاول على الرسول الكريم وسيد الخلق أجمعين قد اختارت (متمتعة، مستمتعة، بكامل حريتها في التعبير) أن تعكس نفسية أمم تعاني من خيال مريض متعفن. فمن المؤكد أن أحدا على ظهر هذا الكوكب لا يعرف بأية درجة من اليقين صورة النبي الكريم، والذين تسابقوا على تصويره (بالتصور) إنما نسجوا له ملامح من خيالهم ومن مكنون أنفسهم؛ فلا يمكن بحال من الأحوال أن تعكس تصوراتهم سوى ملامح الواقع الذي يشكل داخلهم. وعندما أجمعوا على تصويره على أسوأ ما تخيلوا واختارت صحافتهم من بين ذلك أسوأ الأسوأ، فإنهم بذلك قد أكدوا على أن الخيال المريض ليس علة فردية؛ وإنما هو وباء قد أصاب أممهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ويؤكد تشخيص الوضع على أنه "وباء"، أن ذلك الخيال المريض قد اكتسب شرعية دستورية؛ بما يعني أنه قد اعتبر أمرا طبيعيا : تماما مثلما يعتبر مريض البارانويا نفسه. وهذا أمر يدعو للشفقة، وليس إلى الاحتجاج والمحاجة
ولكي نتصور، فداحة وحدّة وشراسة تلك العلة التي أصابت الصحافة المتطاولة (مرآة أممها) يمكن أن نسأل من نعرف ونطمئن بأنهم يقينا من العقلاء والأسوياء هذا السؤال البديهي والمنطقي : ماذا يمكن أن يكون بشر توفاه الله في القرن السابع الميلادي قد فعل بفرد أو أفراد يعيشون في هذا اقرن الحادي والعشرين للميلاد، وعلى بعد آلاف الأميال من أرض مولده؟! سبحان الله ولا إله إلا الله : أن جعل الذئب المفترس أقل شططا في افتراءاته؛ حين التهم الحمل بدعوى أنه سبّه في الربيع الماضي (حيث لم يكن قد ولد بعد)، فعدّل حيثيات الحكم بعقابه على جريمة أبيه، ولم يذهب خياله لألف عام سبقت!! والفارق أن خيال الذئب كان خيال الجائع أما خيال الصحافة المتطاولة (مرآة أممها) فإنه خيال حمى الفصام والبارانويا
وإذا كان بعض قادة الفكر يشكون من التخلف العلمي والتقني والاقتصادي لمجتمعات المسلمين، فعليهم أن يبينوا لنا كيف شفع امتلاك دول وأمم الصحافة المتطاولة لكل ذلك؛ حين هوت فكريا وسقطت سلوكيا إلى مستويات أدنى من مستوى فكر إنسان الكهوف من قبل في بلادهم، بل أدنى من فكر ومسلك ذئب أسطوري جائع هائج، في مواجهة حمَل منطقي وديع!! وموقف أهل الفكر هؤلاء له دلالته الجميلة، في هذا المحتوى، على كل حال. فهو يعني أنهم، حين أحسنوا الظن بقيمة تلك الدول والأمم، إنما ترجموا تقدمهم مباشرة إلى درجة مناظرة (منطقيا) من التحضر والرقي الفكري والسمو النفسي. وفي الواقع أننا نحن العامة قد بنينا أيضا في خيالنا لدول وأمم الغرب، ومنها دول وأمم الصحافة المتطاولة، صورا مبهرة ناصعة جميلة؛ فكان ذلك فقط (ولله الحمد) انعكاسا لصحة وسلامة ونظافة خيوط وخطوط خيالنا. ولعلنا ندرك الآن، فنحمد الله حمدا كثيرا، أننا لسنا مثلهم : حتى وإن بقينا على هذا التخلف، فهو تخلف أخف وطئا (وقضاء أخف من قضاء). وفي تراثنا أننا نخاطب المولى بهذا النداء الرائع المأثور : "اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه". وقد لطف بنا خالقنا كثيرا حين أنعم علينا بخيال نظيف عفيف، وجعل غنانا هو غنى النفس وجعل قيمتنا في حضارتنا وتحضرنا وترفعنا عن مثل تلك الصغائر التي أوقع المتطاولون أنفسهم فيها
بقلم: د ف ع أ
<< Home