أحبب جارك : Love Thy Neighbour
ينبني دستور "الدعوة" في الإسلام على مادتين أساسيتين، هما
مادة – 1 : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"؛
مادة – 2 : "وجادلهم بالتي هي أحسن".
وتعلن المذكرة التفسيرية الوافية للغاية، في جملة منطقية موجزة مكمِّلة من نفس الآية : "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". ويأتي منهج الدعوة في الإسلام إلى حياة كريمة سوية للبشر المسلم، مجملا وبأدواته كاملة، في الآيات الأربع الأخيرة من سورة النحل. ومن هنا نجد في الداعية الحقيقي، بمعايير الإسلام، مقومات وخصائص الإيجاز الموضوعي مكتمل العناصر؛ والبشاشة والسماحة والاحترام والهدوء الكامل والوقار. فلا مجال أبدا في الدعوة للدين الحنيف، للانفعال الدرامي والصراخ والعواء والتشنج والنحيب.
ولو أن المحاورين الثلاثة (مذيعة ومذيع وأستاذ فاضل بارع للطب النفسي) وضعوا هذه الحقائق الثابتة في الاعتبار خلال الفقرة الأخيرة من حلقة الثلاثاء،( ثالث أيام العام الجديد) في برنامج الدردشة المسائي على القناة الثانية (للتليفزيون المصري)؛ لاستطاعوا أن يقيّموا ضيفهم الرئيسي الذي وصِف بأنه "أصغر داعية"، تقييما عادلا موضوعيا. فالطفل صاحب الأعوام الخمسة استطاع أن يقلد ببراعة فائقة ما يقوله ويفعله خطباء المساجد الكبار على المنابر؛ بل تفوق بدرجة عالية لافتة على كثيرين منهم، وعلى كثيرين من كبار الممثلين المسرحين والدراميين عامة وعلى الغالبية العظمى من المذيعين والمذيعات أيضا : في الإلقاء وفي سلامة اللغة والنطق وتشكيل الكلمات. وقد أحال الخطباء مساجدَ العصر إلى مسارح، ووقوف طفل الخامسة فوق المنبر لأداء فقرته هو تماما مثل وقوف طفل في نفس السن على خشبة المسرح لأداء فقرته الدرامية الترفيهية أو الكوميدية أو المأساوية (التراجيدية)؛ والفارق فقط هو في نوعية الموضوع والسيناريو. وعليه فإن الطفل، والذين يقلدهم في كل شيء تقريبا (حتى في الكاسيت)، لا يمكن أن ينطبق عليهم وصف الدعاة أبدا. ولكنهم قد يصنفون، تحت أفضل تقييم في معايير براعة الأداء، بأنهم : "نجوم الدراما في شارع الوعظ الديني".
والمذيعة هي الوحيدة بين المحاورين الثلاثة التي استطاعت، ببراعة الأمومة الفطرية، أن تستخلص من الضيف "الصغير" الكبير شيئا مفيدا، أما المحاوران الآخران فقد ركزا على تسفيهه، فلم يصلا إلى نتيجة ذات قيمة. وبفضل براعة المذيعة استطاع المشاهد التعرف على المواهب الفذة لهذا الطفل .. في الحفظ والإلقاء والأداء المقنع؛ مما يؤهله للقيام بأدوار دراما تاريخية (في المسرح أو التليفزيون أو السينما) تفوق أداء الكثيرين من الكبار ولا تجذب المواهب الصغيرة العاملة منذ سنين طويلة، وتتألق في أدوار شائعة تؤهل الواحد (الواحدة) منهم رسميا للقب الطفل (الطفلة) المعجزة. ولم يتعرض أحد من هؤلاء للتسفيه أو التجريح، ولم يحتج أحد على تشغيلهم واستغلالهم واحتكارهم وحرمانهم من أن يعيشوا سنهم (مثلا : بأداء لعبة ركض الحصان التي أداها الطبيب الكبير ببراعة، متحديا بها طفل الخامسة).
والتركيز على تسفيه إنجاز الوالد الكريم، بخسه حقه للغاية. فإذا كان تعليمه الرسمي قد توقف عند مستوى الشهادة الإعدادية (وقد تفوق في هذا البند على العقاد نفسه، فلا عيب في ذلك)؛ فإنه لا شك قد تفوق بثقافته وفطرته على أساتذة جامعيين كثيرين (ومنهم بالمناسبة أساتذة الإلقاء في معاهد التمثيل ومعاهد تدريب المذيعين)، وهم يفرحون كثيرا ويفخرون بأطفالهم المعجزة الذين يؤدون أدوارا مبتذلة خليعة متدنية؛ مثلا مجموعة أطفال أغنية "بابا فين ؟! نقوله مين بيكلمه؟!". وكان حريا بأستاذ الطب النفسي أن ينظر إلى الجانب المشرق في الإنجاز؛ فيفرح ولا تحزن نفسه أبدا "من أجل الطفل وأبيه والناس أجمعين". أما تحذير المذيع للوالد من أن ينتهي حال الطفل حين يكبر إلى الخضوع لسطوة الإملاء وتأثير الفكر المنغلق المتطرف، فيأتي الرد عليه بأن حصيلة الطفل من الحفظ (والصم) لن تفوق حصيلة أولئك الذين أكملوا حفظ القرآن الكريم (الذي لا يزال يصعب فهمه على أستاذ الطب النفسي الكبير، حسب تصريحه) في سن السابعة. وسوف يطمئن بال المذيع المتألق وينشرح صدره؛ حين يعلم بأن من بين أولئك النوابغ عميد الأدب العربي والكاتب الكبير أنيس منصور، ولم يعرف الفكر المعاصر أكثر من هذين الرمزين تفتحا وتحررا.
ولو لم يركز المذيع المتألق على تسفيه "الطفل المعجزة" ووالده، لما صاغ سؤالَ التحدي إليه عن "حقوق الجار" على ذلك النحو. ولو تناولت المذيعة المحاورة (بفطرة الأم) المسألة، بهدف الوصول إلى حقيقة درجة وعي الطفل واستيعابه للأمور؛ لسألته برفق ومودة وبشاشة صادقة نقية : إذا كان له أصدقاء من الجيران (فهو لا يذهب إلى المدرسة)، وعن علاقته بهم وإذا كان يحبهم مثلما يحب أهله (إخوته وأخواته – إن وجدوا، وأباه وأمه). فإن كانت له بهم هذه العلاقة من المحبة، فقد أحسن حفظ حقوق جيرانه عليه .. بمعايير الإسلام والمسيحية معا، عمليا وفعليا وواقعيا (وهذا هو الأهم)؛ وليس وعظا وتلقينا وخطابة ودعاية وتمثيلا!!
ولعل المذيع المحاور المتألق، ومعه أستاذ الطب النفسي الكبير .. البارع والمبدع في مهنته، لا يستنكفان عن تذكر التوجيه القرآني الكريم : "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن"؛ ويعملان به!!
بقلم: د. ف ع أ
مادة – 1 : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"؛
مادة – 2 : "وجادلهم بالتي هي أحسن".
وتعلن المذكرة التفسيرية الوافية للغاية، في جملة منطقية موجزة مكمِّلة من نفس الآية : "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". ويأتي منهج الدعوة في الإسلام إلى حياة كريمة سوية للبشر المسلم، مجملا وبأدواته كاملة، في الآيات الأربع الأخيرة من سورة النحل. ومن هنا نجد في الداعية الحقيقي، بمعايير الإسلام، مقومات وخصائص الإيجاز الموضوعي مكتمل العناصر؛ والبشاشة والسماحة والاحترام والهدوء الكامل والوقار. فلا مجال أبدا في الدعوة للدين الحنيف، للانفعال الدرامي والصراخ والعواء والتشنج والنحيب.
ولو أن المحاورين الثلاثة (مذيعة ومذيع وأستاذ فاضل بارع للطب النفسي) وضعوا هذه الحقائق الثابتة في الاعتبار خلال الفقرة الأخيرة من حلقة الثلاثاء،( ثالث أيام العام الجديد) في برنامج الدردشة المسائي على القناة الثانية (للتليفزيون المصري)؛ لاستطاعوا أن يقيّموا ضيفهم الرئيسي الذي وصِف بأنه "أصغر داعية"، تقييما عادلا موضوعيا. فالطفل صاحب الأعوام الخمسة استطاع أن يقلد ببراعة فائقة ما يقوله ويفعله خطباء المساجد الكبار على المنابر؛ بل تفوق بدرجة عالية لافتة على كثيرين منهم، وعلى كثيرين من كبار الممثلين المسرحين والدراميين عامة وعلى الغالبية العظمى من المذيعين والمذيعات أيضا : في الإلقاء وفي سلامة اللغة والنطق وتشكيل الكلمات. وقد أحال الخطباء مساجدَ العصر إلى مسارح، ووقوف طفل الخامسة فوق المنبر لأداء فقرته هو تماما مثل وقوف طفل في نفس السن على خشبة المسرح لأداء فقرته الدرامية الترفيهية أو الكوميدية أو المأساوية (التراجيدية)؛ والفارق فقط هو في نوعية الموضوع والسيناريو. وعليه فإن الطفل، والذين يقلدهم في كل شيء تقريبا (حتى في الكاسيت)، لا يمكن أن ينطبق عليهم وصف الدعاة أبدا. ولكنهم قد يصنفون، تحت أفضل تقييم في معايير براعة الأداء، بأنهم : "نجوم الدراما في شارع الوعظ الديني".
والمذيعة هي الوحيدة بين المحاورين الثلاثة التي استطاعت، ببراعة الأمومة الفطرية، أن تستخلص من الضيف "الصغير" الكبير شيئا مفيدا، أما المحاوران الآخران فقد ركزا على تسفيهه، فلم يصلا إلى نتيجة ذات قيمة. وبفضل براعة المذيعة استطاع المشاهد التعرف على المواهب الفذة لهذا الطفل .. في الحفظ والإلقاء والأداء المقنع؛ مما يؤهله للقيام بأدوار دراما تاريخية (في المسرح أو التليفزيون أو السينما) تفوق أداء الكثيرين من الكبار ولا تجذب المواهب الصغيرة العاملة منذ سنين طويلة، وتتألق في أدوار شائعة تؤهل الواحد (الواحدة) منهم رسميا للقب الطفل (الطفلة) المعجزة. ولم يتعرض أحد من هؤلاء للتسفيه أو التجريح، ولم يحتج أحد على تشغيلهم واستغلالهم واحتكارهم وحرمانهم من أن يعيشوا سنهم (مثلا : بأداء لعبة ركض الحصان التي أداها الطبيب الكبير ببراعة، متحديا بها طفل الخامسة).
والتركيز على تسفيه إنجاز الوالد الكريم، بخسه حقه للغاية. فإذا كان تعليمه الرسمي قد توقف عند مستوى الشهادة الإعدادية (وقد تفوق في هذا البند على العقاد نفسه، فلا عيب في ذلك)؛ فإنه لا شك قد تفوق بثقافته وفطرته على أساتذة جامعيين كثيرين (ومنهم بالمناسبة أساتذة الإلقاء في معاهد التمثيل ومعاهد تدريب المذيعين)، وهم يفرحون كثيرا ويفخرون بأطفالهم المعجزة الذين يؤدون أدوارا مبتذلة خليعة متدنية؛ مثلا مجموعة أطفال أغنية "بابا فين ؟! نقوله مين بيكلمه؟!". وكان حريا بأستاذ الطب النفسي أن ينظر إلى الجانب المشرق في الإنجاز؛ فيفرح ولا تحزن نفسه أبدا "من أجل الطفل وأبيه والناس أجمعين". أما تحذير المذيع للوالد من أن ينتهي حال الطفل حين يكبر إلى الخضوع لسطوة الإملاء وتأثير الفكر المنغلق المتطرف، فيأتي الرد عليه بأن حصيلة الطفل من الحفظ (والصم) لن تفوق حصيلة أولئك الذين أكملوا حفظ القرآن الكريم (الذي لا يزال يصعب فهمه على أستاذ الطب النفسي الكبير، حسب تصريحه) في سن السابعة. وسوف يطمئن بال المذيع المتألق وينشرح صدره؛ حين يعلم بأن من بين أولئك النوابغ عميد الأدب العربي والكاتب الكبير أنيس منصور، ولم يعرف الفكر المعاصر أكثر من هذين الرمزين تفتحا وتحررا.
ولو لم يركز المذيع المتألق على تسفيه "الطفل المعجزة" ووالده، لما صاغ سؤالَ التحدي إليه عن "حقوق الجار" على ذلك النحو. ولو تناولت المذيعة المحاورة (بفطرة الأم) المسألة، بهدف الوصول إلى حقيقة درجة وعي الطفل واستيعابه للأمور؛ لسألته برفق ومودة وبشاشة صادقة نقية : إذا كان له أصدقاء من الجيران (فهو لا يذهب إلى المدرسة)، وعن علاقته بهم وإذا كان يحبهم مثلما يحب أهله (إخوته وأخواته – إن وجدوا، وأباه وأمه). فإن كانت له بهم هذه العلاقة من المحبة، فقد أحسن حفظ حقوق جيرانه عليه .. بمعايير الإسلام والمسيحية معا، عمليا وفعليا وواقعيا (وهذا هو الأهم)؛ وليس وعظا وتلقينا وخطابة ودعاية وتمثيلا!!
ولعل المذيع المحاور المتألق، ومعه أستاذ الطب النفسي الكبير .. البارع والمبدع في مهنته، لا يستنكفان عن تذكر التوجيه القرآني الكريم : "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن"؛ ويعملان به!!
بقلم: د. ف ع أ
<< Home