"... حتى يكتب عند الله كذابا"
قدم برنامج "البيت بيتك" الشهير على القناة التلفزيونية المصرية الثانية ليلة أمس الاثنين بمناسبة المولد النبوي الشريف، مفترضا في المشاهدين "قمة البلاهة" كالعادة، حكاية رجل (هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين" قيل أنه سجل على شريط (منذ نصف عام أو يزيد) حديثا صحفيا سب فيه "مصر وأبا مصر ومن في مصر". وهذا القول، إن صح، يعني أن الرجل قد كفر بكل ذلك "وليس بعد الكفر ذنب". والكفر يبرر نفسه ولا يجدي فيه أو معه منطق أو تهديد بفضح أمره من خلال مانشتات صحف وبرامج حوار تليفزيوني. فما هو مبرر أولئك الوطنيين الغيورين، سواء شاهد الواقعة أو الواثقين من صحتها ... وعلى رأسهم مسئولي الصحيفة صاحبة الحملة؟! ورئيس التحرير الصحيفة اكتفى بتحدي "جماعة الإخوان، وليس فقط مرشدهم" بأن يثبتوا فبركة الشريط والقرص المدمج : في المحكمة فورا
ونفهم أن "من كفر بمصر وأبيها وبمن فيها، فإن عليه كفره"، ولكن المؤمن بمصر والوطني الغيور (مثل رئيس تحرير الصحيفة ونائب رئيس تحرير المجلة الصادرة عن الدار الصحفية العريقة الأقدم) لا يمكن أن يقف جامدا باردا أمام العدوان السافر (لمن وقع أمامه خاصة) ويكتفي بالصراخ ... وفضح أملة المعتدي؛ بالنشر. وإذا لم يفترض جميع هؤلاء الصارخين في القراء والمشاهدين والخلق أجمعين في مصر "منتهى البلاهة"، فإنهم كانوا يحملون معهم دليل الإدانة الدامغ ويهرولون فورا إلى أقرب قسم للشرطة ويحررون محضرا بالواقعة، ثم يرفعون به دعوى جنائية (أو خيانة عظمى) عاجلة لاتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة التي ترد العدوان السافر عن "مصر وأبيها وجميع من فيها
ومع ذلك كله، تبقى دلائل اطمئنان الصحيفة إلى بلاهة قرائها والبرنامج التليفزيوني إلى بلاهة مشاهديه؛ بالغة الوضوح. فأمامنا بين الضيوف مثلا هو لكاتب المقال الذي حرك صاحب الشريط إلى التلويح بقنبلته). وهو لا يترك محغلا تليفزيونيا لا يفاخر فيه بعداوته السافرة للجماعة "المحظورة"، ويشن عليها هجوما شرسا ويصب عليها جام غضبه؛ متجاهلا تماما تاريخ كفاحها الوطني في فلسطين والقنال وما تعرض له أفرادها من التعذيب والقتل والتشريد بأيدي حكام مسلمين (ثم يطالب الضحايا بالاعتذار). ونجد نفس الشخص، في نفس البرنامج، يؤيد رواية صاحب "الشريط القنبلة"، بأن مكتب المرشد العام يحرص دائماعلى تسجيل أحاديثه للحفيين آنيا على جهاز يلازم جهاز الصحفي الضيف. وقد زاد فروى قصة مناسبة طلب هو فيها من مكتب المرشد نسخة من تسجيلهم لحديث أجراه بنفسه مع المرشد، لكن شريطه تلف (أو فقد)؛ ولم يتردد مكتب المرشد في الاستجابة لطلبه. ولقد افترض أن روايته ستمر مر الكرام على مشاهديه السذج؛ فيغيب عن فطنتهم أن الرواية تدينه وتسلبه مصداقية دعاواه. فهي، بكل وضوح، تعد دليلا دامغا على مبلغ سماحة الجماعة التي يزدريها وعمق ونضج فكرهم وممارستهم الديمقراطية. فهم يستقبلون من يناصبهم العداء جهرا، ويعينه على أداء مهمته الصحفية التي تنتهي بهجومه الضاري عليهم؛ وافترائه عليهم بما ليس فيهم أبدا. وهكذا يصدق قول المولى سبحانه
ثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
ويضل الله الظالمين
ويفعل الله ما يشاء
ويضل الله الظالمين
ويفعل الله ما يشاء
أما عن القصة المهلهلة حول "الشريط القنبلة"، فإنها لن تختلف كثيرا عما يمكن أن يقدم عليه متربص ضال مضلل، بكل يسر : حين يستقطع من آية قرآنية كريمة عبارة "ولا تقربوا الصلاة"، ومن آية كريمة أخرى عبارة "فويل للمصلين" ... ويتوقف. وإذا كان الصوت على "الشريط القنبلة" هو بالفعل صوت المرشد "المتهم"، فمن المؤكد أن عبارة سب "مصر وأبيها ومن فيها" قد جاءت في سياق الحديث عن نظرة الطغاة للبلد وللرعية؛ وأن عبارة الخليفة "الخمورجي زير النساء" جاءت في سياق واقع تاريخي منع تداول السلطة وأبقى على الخلفاء الحكام الفاسقين الماجنين المنحلين الفاسدين المفسدين، إ تنزل بهم مصيبة الموت
بقلم: د. ف ع أ
<< Home