Tuesday, February 28, 2006

المهندس نجيب ساويريس – رئيس شركة موبينيل

تحية طيبة خالصة وبعد

تابعت منذ نحو ساعة اللقاء الذي أجري معك في برنامج "مطلوب التعقيب"، والذي أعيد بثه الليلة على القناة الثانية؛ وقد كان لقاءا شيقا ومثيرا حقا. ومادُمتَ تكره الظلم هكذا؛ فلعلك لا تتعجل إصدار الأحكام على عباد الله، دون التحقق. وكإنسان على درجة عالية من الثقافة والتفتح، فإنك من غير شك تدرك حقيقة أن الشعار الانتخابي "الإسلام هو الحل" كان شعارا سياسيا وليس دينيا أبدا؛ فليس في الدين شعارات، وإنما هناك قيم ومبادئ وعمل صالح. والذي يعرف دينه ويحترمه يجد التعصب جهلا وفسوقا. وأعضاء الجماعة الذين رميتهم بالتعصب هم أبعد ما يكونون عنه؛ لأنهم من أكثر العارفين بعقيدتهم ومن أكثر الناس احتراما لها. وإذا كنت رأيت في أحد تعصبا فبالقطع لن يكون واحدا منهم (وادعاء نملة بأنها فيل، لا يجعل منها فيلا). وما دمت تقضي أوقات فراغك في قراءة التاريخ، فلعلك وقفت في قراءتك على حقائق كفاحهم المشرف في فلسطين وفي القنال؛ وقرأت أكثر من ذلك عن سنين الاضطهاد والتعذيب والتنكيل التي تعرضوا لها؛ على أيدي مصريين مسلمين. وإذا كان الإعلام هنا يستنكر ما تقترفه قوات الاحتلال في سجون العراق وفلسطين من فظائع؛ فإنه سكت على ما هو أبشع منه مما اقترفه مصريون مسلمون بحق مصريين مسلمين. فهل تتصور في صنوف التعذيب مثلا ما يفوق بشاعة وصفة طبيب برتبة لواء (أدى قسم المهنة)؛ بأن يحدّق معتقل مريض في قرص شمس الظهيرة لعشر دقائق. فلا يربش، فإن فعل يعاد حساب الزمن من جديد؟! حدث ذلك في معتقل السجن الحربي عام 1955 والضحية الآن حي يرزق لكن بشبكية محمصة
ولم تكن نظرة الزعماء الوطنيين المسيحيين المصريين للجماعة التي أدنتها بالتعصب، مثل نظرة المفكر الكبير الذي هدد بالرحيل عن البلاد ومعه ملايين من أبناء الأمة. مثلا

· صاحبت اغتيال الشيخ حسن البنا، مؤسس الجماعة، حملات اعتقال أحدثت حالة من الذعر بين أفراد الأمة لدرجة أن أحدا من أهل مصر المعمورة المحروسة لم يجرؤ على الخروج للسير في جنازته؛ باستثناء ستة أفراد : خمسة من عائلة البنا وحدها (بينهم نجله الصبي حينئذ)؛ والسادس من أصحاب الشجاعة النادرة وأحد زعماء الأمة الأجلاء "لعله كان صديقا حميما أو أخا عطوفا أو متصدقا رءوفا" اسمه وليم مكرم عبيد، والشهير بمكرم باشا عبيد رئيس وزعيم حزب الكتلة

· في حملة الاعتقالات الأخرى الكبرى التي لم تبق ولم تذر، كان من بين عشرات الألوف الذين ألقي القبض عليهم في الموجة الأولى رجل فاضل اسمه "وهيب دوس"؛ باعتباره أحد أقطاب وقادة الجماعة واستنادا إلى ظهور اسمه في وثيقة دامغة تسجل محضر اجتماع "مجلس الشورى" للجماعة. ولسبب ما قرأها رجال المباحث العامة والمحققون "مجلس الثورة "؛ بإحلال الثاء محل الشين وإحلال التاء المربوطة محل الياء المرفوعة. وقد أطلق سراحه طبعا؛ بعد ثبوت أنه فعلا مسيحي مصري، وأنه حضر الاجتماع المذكور فقط بصفته المهنية كمستشار قانوني رسمي للجماعة

وقد يهمك أن تعلم حقيقة أن قيادة الجماعة رفضت إعطاء الإذن بالتصدي لحملات الاعتقال "حتى لا يقاتل مصري مصريا"، وهذا بالتمام ما أعلنه الملك الراحل فاروق؛ حين أشار القادة الموالون له بالتحرك لسحق تمرد عناصر من الجيش في يوليو عام 1952!!

وإخراج العقيدة من السياسة، أو من أي نشاط بشري، مثل إخراج الروح من الجسد والضمير من العمل والقيم السوية من السلوك الشخصي والعام. ذلك أن السياسة، مثل السوق، مصالح تجري على أسس من الأنانية المفرطة، فيها : " الغاية تبرر الوسيلة"، "السوق لا يرحم"، "التحالف حتى مع الشيطان"، "اللي تغلب به العب به"، و"عندك قرش تساوي قرشا". وأنت يا سيدي، رغم ثقافتك وتفتحك، تجد من يستمع إليك؛ ليس بقوة منطقك الفكري وإنما بقوة موقفك المالي. وإذا كنت تعيب على الوضع القائم حالة الفوضى السائدة، فإنك لم تر للأسف إسهام إدخال "فوضى المحمول" دون تخطيط اقتصادي سليم رحيم؛ في تفاقم هذه الفوضى. ولأن "الربح" غاية، كان من الضروري في غيبة التخطيط السليم الرحيم أن يقابله خراب بيوت في قطاعات أخرى؛ وهذا قانون طبيعة. ولقد تعدت الفوضى نطاق خراب البيوت إلى خراب الضمائر الذي من دلائله هذا الطوفان من المسابقات التليفونية المبتزة والمسفهة للعقول، والتي وصلت إلى حد العبث بالحج والعمرة؛ فصارتا وسيلتي ابتزاز تبرره غاية "التربح" الكسول
ولقد ألمحت يا سيدي إلى ما يعانيه المسيحيون المصريون من آفة التعصب؛ ونسيت أن التعصب ظلم والظلم لا يتجزأ (مثلما أن العدل لا يتجزأ)، فلا يفرق بين مسيحي ومسلم. ومما لا شك فيه أن التعصب هو جزء من الظلم العام الواقع بالأمة المصرية؛ وبالتالي فإن الضحايا من المسلمين هم (بالحساب البسيط) أضعاف مضاعفة؛ لكنهم غير منظورين، ولا يجدون من يدافع عن قضاياهم أو حتى يعبأ بها. والفوضى مولود طبيعي للظلم والظلم مولود طبيعي للغدر، ونظام الدولة القائم ولد في الأصل سِفاحا من علاقة خيانة وغدر وإخلال بالشرف العسكري؛ لا تغير من هذه الحقيقة كل ديكورات الشرعية الدولية والدستورية التي تتلفع بها. وما بني على باطل فهو باطل وسيبقى باطلا؛ إلى أن تستقيم الأمور وتستوي، ويصح الصحيح. وإلى أن يتحقق ذلك، سنبقى في العبودية؛ أمة يستذل بعضها بعضا، فيمتهن فيها القوي الضعيف ويفتري فيها الضعيف على من هو أضعف : وبغض النظر عن العقيدة. والذين يتبنون حلول عدالة الإسلام أو عدالة المسيحية أو عدالة حب مصر، في التطبيق السياسي أو الإداري أو الاجتماعي-الاقتصادي، يحملون وحدهم الأمل في فلاح هذه الأمة
وفي الجانب الآخر من اللقاء أشرت إلى اقتراح إنشاء حزب ليبرالي، يحرك الركود السياسي القائم والقاتل؛ في البلاد. ولأن هذا الراصد يعرف أصحاب الاتجاه الأخلاقي (ولا ضرورة مطلقا للإصرار على تسمية التيار الديني، المثيرة للجدل والخلاف) معرفة طويلة وثيقة، ويعلم جيدا مبلغ كرمهم وتحررهم وتفتحهم الفكري وصدق نواياهم ورقي وطهر أدواتهم (على العكس تماما مما يشاع ويثار حولهم)؛ فإنه اقترح على قيادتهم إنشاء حزب يحمل اسم "مصر الأم" يكون هدفه جمع كل أطياف المجتمع في مصر على المحبة الحقيقية لوطنهم؛ بالعيش السوي الكريم الراقي الحضاري المتحضر، من أجله. ويكون هذا الحزب بمثابة الجناح السياسي لجماعتهم الجميلة المحترمة، مثل الأجنحة الخدمية الرائعة الأخرى للجماعة
واقتناعا من الراصد بأن أصحاب هدف خلق مجتمع أخلاقي هم الآن الأكثر تأهلا في الساحة، فكريا ونفسيا وثقافيا، للاضطلاع بمهمة تبني برنامج إصلاح سياسي حقيقي يكفل العدالة الكاملة والحق الكامل في التمثيل النيابي لجميع أطياف المجتمع المصري؛ فإنه طلب أيضا إلى قيادتهم (ويطلب الآن إلى غيرهم ممن يقبلون بمنهج التعاون على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان) حشد التأييد لمقترح إصلاح دستوري يتأسس على ما يأتي :

· يخصص، بموجب التعديلات الدستورية المقترحة، عدد خمسين مقعدا (أو أكثر) للمرأة. وفي غيبة آلية انتخابية لضمان ذلك الحق، تعهد إلى المجلس القومي للمرأة مسئولية وصلاحية اختيار ممثلي المرأة في المجلس النيابي (والعدد المقابل بمجلس الشورى)؛ من بين الكفاءات العالية القادرة الخبيرة المؤهلة المنجزة، والمشرّفة

· يخصص، بموجب التعديلات الدستورية المقترحة، عدد أربعة وأربعين مقعدا (أو أكثر) لغير المسلمين. وفي غيبة آلية انتخابية لضمان ذلك الحق، تعهد إلى الكنيسة الأرثوذكسية مسئولية وصلاحية اختيار ممثلي المسيحيين الأرثوذكس (بعدد أربعين نائبا) في المجلس النيابي (والعدد المقابل بمجلس الشورى)؛ من بين الكفاءات العالية القادرة الخبيرة المؤهلة المنجزة، والمشرّفة. وتخصص أربعة مقاعد لأتباع الكنائس الأخرى، بنفس هذه الآلية
يختار المجلس القومي للمرأة أربع (إلى ست) مرشحات لشغل منصب محافظ؛ ويُعتمَد الترشيح من خلال المجلس النيلبى ومجلس الشورى
· تختار الكنيسة الأرثوذكسية أربعة (إلى ستة) مرشحين لشغل منصب المحافظ؛ ويُعتمَد الترشيح من خلال المجلس النيابي ومجلس الشورى
يختار المجلس القومي للمرأة أربع (إلى ست) مرشحات لشغل منصب الوزير فى الحكومة ويُعتمَد الترشيح من خلال المجلس النيلبى ومجلس الشورى

· تختار الكنيسة الأرثوذكسية أربعة (إلى ستة) مرشحين لشغل منصب الوزير فى الحكومة ويُعتمَد الترشيح من خلال المجلس النيابي ومجلس الشورى
· قياسا على ما تقدم، يضمن الدستور التمثيل العددي المناسب لكل من الفئتين في تولي بقية المناصب العليا في الدولة : مثلا في القضاء ورئاسة الجامعات وعمادة الكليات، وغيرها من المؤسسات الوطنية المدنية
· يضمن الدستور مشاركة أعضاء مصريين مسيحيين في قيادة أركان القوات المسلحة وفي المجلس الأعلى للشرطة، وفي المناصب العسكرية العليا؛ بنسبة لا تقل عن 10بالمائة، من إجمالي عدد العناصر القيادية
تلغى صلاحية رئيس الدولة في تعيين أعضاء تكميليين بالمجلس النيابي
· يعاد النظر في تقسيم مقاعد المجلسين على أساس فئات وعمال، ويكون باب الترشيح والمنافسة على المقاعد الباقية المتاحة بإجمالى 360 مقعدا بالمجلس النيابي؛ بعد شغل المقاعد الأخرى المخصصة للفئتين المستثنتين مفتوحا للانتخاب بالاقتراع العام
· يُلغى نص "الدين الرسمي للدولة هو الإسلام"، فوجوده لن يزيد من قيمة وقدر الإسلام شيئا وإسقاطه لن ينتقص من قيمة وقدر الإسلام شيئا؛ بخلاف أن العقيدة من شئون وخصوصيات الفرد وتتعلق بحقوق مواطنة يتساوى فيها الجميع، فلا تكون عنصر تمييز أو تميز
· يُعدل نص إرجاع قوانين الدولة وإسنادها إلى أحكام الشريعة الإسلامية؛ ليصبح إرجاعها وإسنادها إلى أحكام الشرائع السماوية
(وقد أرسِلت البنود أعلاه إلى المعنيين في 28 نوفمبر 2005؛ بينما طرحت لاحقا في رسائل إلى عدد كبير من قادة الفكر في البلاد). وهي الآن مطروحة عليكم، كرؤية أولية لبرنامج عمل الحزب الليبرالي الذي تدعون له. هذا وإن من المؤكد حقا أن أي مصري أمين مؤتمن على إقامة العدل بين الناس في بلده، سيجد أن البنود الاثنى عشر أعلاه إنما تمثل الحد الأدنى المطلق في تطبيق عدل الله؛ بمعايير شريعة القرآن أو شريعة الإنجيل، أو حتى شريعة "المعت" المصرية القديمة.
مع أخلص وأطيب التمنيات بالتوفيق
دكتور: ف ع أ