يقول صاحبى
حضرة الأستاذه – باب "فكر ديني"، صحيفة الأهرام
تعليقا على ما جاء بموضوعك تحت عنوان "بعيدا عن الانفعالات الموسمية"، يقول الرسول الكريم "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها". وعلى الرغم من أن الكتاب والسيرة بهما من كنوز الحكمة ما يغنينا عن الانفعال بحملات السفه على الإسلام والرسول، فإن هناك حكمة عصرية دالة خرجت من فم السيدة (حاليا الليدي) مارجريت ثاتشر للقضاء على الإرهاب، فيها : "دعونا نحرم الإرهاب من أكسجين الدعاية الذي يمنحه الحياة الأطول والأنشط، وسوف يموت أسرع". ولم يصغ إليها أحد؛ لأن الساسة يعشقون الطنطنة والضجيج ولأن الإعلام يعيش على الإثارة، ولن يسكت الإعلام .. مع أن الوصفة سهلة ومضمونة النتائج. وهكذا فإن السفاهات لا تعالج ولا تقاوم إلا بالتجاهل التام والسمو فوقها
وقول الرسول عن الحكمة يوجهنا إلى المنهج الإيجابي في الحياة، وهو منهج ينطوي على النظر دائما إلى الأمام؛ صوب الخير. ومن هنا فإن تكليفات المسلم لن يكون من بينها الانشغال بالرد على السخافات والسفاهات والانفعال بها؛ لأن ذلك مدمر للجهد ومفسد للأداء. ويقول الرسول الكريم "لا يكن أحدكم إمعه يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم؛ فإن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم". وفي الكتاب الكريم الرد الحاسم على أولئك السفهاء : "قل موتوا بغيظكم"!! وكما ألمح الموضوع، فإن سفاهات اليوم لا تختلف في شيء عما تعرض له الرسول الكريم في حياته؛ من قول سيء وفعل أسوأ، فلم يتأثر لا بهذا ولا بذاك وأعرض عن الجهالة وعن الجاهلين. ولو لم يفعل لتعطلت مسيرته ولم يؤد رسالته؛ بل ولم يصبح ذلك البشر الذي هو أعظم بشر عرفه تاريخ الإنسانية (فقد صنع أمة عظيمة، من العدم)، وسيد الخلق أجمعين. فهل غيرت تلك السفاهات، أو تستطيع أن تغير، هذه الحقيقة الأزلية؟! مستحيل
لا خطر إذن على الإسلام ولا على رسول الإسلام ولا على كتاب الله، وإنما الخطر علينا نحن المسلمين حين نثار ونستثار ونستفز. ولنأخذ مثلا حيا من الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني الشقيق منذ عام ألفين، حين دنس قيادي صهيوني الحرم القدسي الشريف؛ فكان ما كان من القتل والتدمير والمعاناة والمذلة .. إلى اليوم، وهو ما خطط المعتدي له وفرح به. وعلينا في ضوء هذا أن تصور موقفا حكيما، يميت المستفز غيظا؛ لو لم تنفعل الجماهير والقيادات الفلسطينية بتلك السفاهة .. واعتبرت أن الذي دخل إلى الحرم القدسي هو بمثابة خنزير مثلا (وقد رضي هو لنفسه بمسلكه موقعا أدنى من ذلك) فقاموا بتطهير المكان من الدنس، بغسله سبع أو عشر مرات .. بماء الورد !! ولو أنهم فعلوا ذلك كلما دنس المكان، دون كلل أو ملل؛ لكان ذلك أفضل وأوفر وأزكى لهم من إهدار كل تلك الأرواح الغالية
ثم يبقى في التعليق على ما جاء بالموضوع أمران؛ ويتعلق الأول بعبارة "تدنيس القرآن الكريم"، ويتعلق الثاني بمقترح "إعداد مشروع فكري ضخم". وأما في الأولى، فإن القرآن لم يدنس، ولن يدنس، ويستحيل أن يدنس؛ وقضاء الله في هذا قاطع وحاسم : "لا يمسه إلا المطهرون". وليست الطهارة هنا بدنية فحسب، وإنما هي طهارة القلب والروح في المقام الأول؛ وهو ما يعني أن الذي يمس القرآن هو فقط ذلك الذي يمسه القرآن، فيحس القرآن بقلبه وروحه ووجدانه. ويفسر هذه الحقيقة قانون طبيعة يُعرف بقانون نيوتن الثالث وفيه أن "لكل فعل رد فعل مساو له في القدر ومعاكس له في الاتجاه"؛ فنحن نحس الكرسي الذي نجلس عليه، فقط حين يلمس جسدنا. والذي دنس، ويمكن أن يدنس أو يحرق أو يدمر، بتلك السفاهات والسخافات هو الورق في المصحف الورقي أو في الصور المادية الأخرى؛ لا غير
وأما بالنسبة لمقترح ذلك المشروع الفكري الضخم، فيحسمه قول المولى "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، وقوله "قل إن الهدى هدى الله"؛ وقد كذب بالرسالة كثيرون ممن عايشوا الرسول نفسه، وعموا وضلوا كثير منهم وقالوا "معلم مجنون". وقد أصبحت اليوم وسائل التعرف على حقائق الإسلام، لمن أراد وأنصف، ميسرة للغاية ومتعددة بغير حصر. أما غير الراغبين وغير المنصفين، فإنهم سوف لا يتوقفون عن المجادلة والمكابرة "في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون". وهكذا يبقى علينا نحن المسلمين أن ننصرف إلى ما نحسن به إسلامنا ونخلص به الدين لله؛ حقيقة لا مظهرا ولا ادعاءا ولا رياءا.
وعلى الله قصد السبيل، ولو شاء لهدانا أجمعين
وعلى الله قصد السبيل، ولو شاء لهدانا أجمعين
بقلم: د. ف أ ع
تحريرا في 26 يناير
<< Home